لماذا لم نتمكن من إرسال أي إنسان إلى المريخ حتى الآن

 

بينما حلم الإنسان بالذهاب إلى المريخ خاصلة منذ أن اكتشفه، فإن مهمة فعلية في المستقبل المنظور ستبدأ أخيراً لتشعر معها بإمكانية تحقيقها في الواقع.

لكن ما مدى إمكانية تحقيق هذا الحلم؟

تدعي ناسا جديتها تجاه إرسالها مهمة مأهولة ذات يوم في حين تتسابق الشركات الخاصة لتقديم أكثر مخططاتها جرأة على الإطلاق للذهاب إلى هناك. وبنفس القدر من الأهمية ازدياد حماسة العامة للكوكب الأحمر بعد الهبوط المذهل للعربة كريوسيتي ومهمتها الغنية بالصور.

في وقت سابق من هذا الشهر، اجتمع مسؤولون في ناسا وممثلي شركات الفضاء الخاصة والأعضاء الآخرين في مجتمع الرحلات الفضائية في مؤتمر استضافتة مجموعة مناصري رحلات الفضاء لاستكشاف المريخ في العاصمة واشنطن والتي دعت إلى القيام بمهمة يتم فيها إرسال رواد فضاء في عقد الثلاثينات من هذا القرن. لثلاثة أيام لمناقشة كافة التحديات المتعلقة بإرسال البشر إلى المريخ.

لكن يكمن شيطان الغبار المريخي في التفاصيل، فلاتزال هناك مشكلة كبيرة عالقة: وهي أننا نفتقر حالياً إلى تكنولوجيا إرسال البشر إلى المريخ وإعادتهم. فمن الراجح أن مهمة بين كوكبية بهذا الحجم ستكون أكثر التحديات الهندسية كلفة وصعوبة في القرن الحادي والعشرين.

يقول مدير محطة الفضاء الدولية في ناسا سام سايميني خلال المؤتمر" ستكون قيمتها الأسية أكبر بست مرات من محطة الفضاء. سنحتاج لتطوير طرق جديدة للعيش بعيداً عن الأرض لم يتم القيام بها من قبل".

وهناك بعض الفجوات الخطيرة في إمكاناتنا، بما فيها حقيقة أننا لا يمكننا تخزين الوقود الضروري بشكل صحيح والذي يكفي لرحلة المريخ، ولا نمتلك مركبة قادرة على إنزال بشر على السطح المريخي بعد، ولسنا متأكدين تماماً أنها ستبقيهم أحياء هناك. وقد تضمن جزء كبير من قمة مؤتمر إرسال بشر إلى المريخ مناقشة المتحدثون لمختلف العقبات التي تواجه البعثة الفضائية.

 وقال المهندس بوبي براون رئيس تقني سابق في ناسا لمجلة Wired " لقد قلت مرارا وتكرارا أنني سأعرف أننا جادين في إرسال بشر إلى سطح المريخ حينما تبدأ استثمارات تكنولوجية هامة في مجالات بعينها".

والخبر السار أنه لا يوجد شيء مستحيل تكنولوجياً نحو إرسال مهمة مأهولة إلى المريخ. الأمر متعلق فقط بقرار أولوية ووضع الوقت والمال في تطوير الأدوات الضرورية. وفي الوقت الحالي تعمل ناسا ووكلات الفضاء الأخرى والشركات الخاصة على جعل المريخ في متناول الأيدي.

وتقد هنا مجلة Wired أصعب التحديات التي يجب التغلب عليها للوصول إلى المريخ وكيفية معالجتها.

Space Shuttle Atlantis STS-125 Launch | As viewed from the N… | Flickr

الإقلاع من الأرض

تحتاج إلى المشي قبل الجري. وقبل أن تقوم باستكشاف الفضاء السحيق، تحتاج إلى الخروج من كوكبك.

بينما كنا نرسل البشر والمسابير إلى الفضاء لأكثر من خمسين عام، فإن مهمة مأهولة إلى المريخ ستكون أكبر حجماً بكثير من أي مهمة قمنا بها من قبل.فلا يوجد صاروخ يمكنه الإقلاع من على سطح الأرض والافلات من جاذبيتها للوصول إلى الفضاء حاملاً وزن طائرة كبيرة، على متنها رواد فضاء وكل الإمدادات والمواد الهامة للوصول إلى المريخ. وعلى الأرجح فإن الصواريخ ستقوم بعدة رحلات لوضع الإمدادات وأجزاء المركبة في مدار الأرض المنخفض. وهناك سيقوم رواد الفضاء ببطئ ببناء المركبة مع مرور الوقت ومن ثم الذهاب إلى الكوكب الأحمر.

ولاتزال هناك حاجة لبعض صواريخ الرفع الثقيل. فأكبر بناء تم تجميعه في الفضاء وهو محطة الفضاء الدولية، تبلغ كتلتها 4500 طن متري واستلزمت 31 رحلة فضائية لتجميعها. ووفقاً لناسا، فإن مركبة المريخ قادرة على أخذ بشر إلى الكوكب الأحمر وإعادتهم ستكون أصغر من محطة الفضاء – حوالي 1250 طن متري. لكن تقاعد أسطول المكوك القادر على حمل كتل كبيرة إلى مدار الأرض بسهولة نسبية حد من إمكانياتنا.

وباستخدام الصواريخ الموجودة حالياً، يقدر مهندس الطيران بريت دريك الذي يقود التخطيط والتحليل في بعثات استكشاف وكالة ناسا ومكتب النظم، أن الأمر يستلزم ما بين 70 إلى 80 إطلاق لتجميع مركبة مهمة المريخ. مع الأخذ في الإعتبار أن محطة الفضاء الدولية استغرق تجميعها أكثر من عقد، لذا فإن تجميع مركبة المريخ سيتغرق وقتاً طويلاً.

ولكن في المستقبل، ستكون هذه المهمة أكثر يسراً. فناسا تأمل بامتلاكها نظام الإطلاق الفضائي بحلول عام 2017، والذي سيكون أكبر صاروخ طار على الإطلاق، حتى أكبر من الصاروخ ساترن 5 الذي حمل رواد الفضاء إلى القمر. وتعمل شركة الفضاء الخاصة سبيس إكس أيضاً على مركبة الإطلاق الثقيلة فالكون، والتي سيكون لها سعة قليلة بعض الشيء عن صاروخ ناسا الكبير لكنه أكبر بكثير من أي شيء حوله اليوم. ويمكن أن تبدأ اختبارات صاروخ فالكون الأولية في وقت لاحق من هذا العام.

وتقدر ناسا أنها تحتاج إلى سبعة إطلاقات على الأقل لصاروخها الجديد إلى المدار بما فيها البشر والإمدادات والسفن الضرورية لمهمة المريخ. وفي حين يساعد نظام الإطلاق الفضائي على الوصول إلى المريخ، تجدر الإشارة إلى أنه ثمة بدائل أخرى يمكن أن ننتهجها.

Artist Concept: Space Launch System in Flight (NASA, Space… | Flickr

تخزين الوقود

البشر ليسوا الوحيدين الذين نرغب في إرسالهم على متن مهمة المريخ المأهولة.

للبقاء أحياء في الفضاء، يحتاج البشر إلى كثير من الأشياء بما فيها الطعم والأكسجين والمأوى وربما الأكثر أهمية وهو الوقود. فحوالي 80% من الكتلة الأولية التي سيتم إطلاقها إلى الفضاء لمهمة مأهولة ستكون عبارة عن وقود الدفع. والمشكلة هي أن تخزين كل هذه الكمية من الوقود في الفضاء أمر صعب.

فالأجسام في مدار الأرض المنخفض ( المكان الذي ستركن فيه مركبتك المريخية حين تبنيها) تسافر حول العالم مرة كل 90 دقيقة. خلال نصف هذا الوقت، فإنها تتعرض للحرارة الشديدة للشمس ثم الظلام القارس للفضاء. ويتسبب الاختلاف في تبخير الوقود المكون من الهيدروجين والأكسجين. مالم يتم تنفيس خزانات الوقود بانتظام، فحاويات تحتوي على هذه المواد معرضة للإنفجار.

والهيدروجين على وجه الخصوص معرض للتسرب من الخزانات، مما ينتج عنه خسارة حوالي 4 % كل شهر. وهذا يعني أنه إذا تطلب تجميع مهمة المريخ عاماً في مدار الأرض المنخفض، فإنها ستفقد حوالي نصف الوقود الداسر قبل أن تغادر إلى الكوكب الأحمر. ومع تكلفة إرسال كيلوجرام واحد تبلغ 10000 دولار فإن هذا يعد تبذير مكلف.

وتنتهج ناسا بنشاط تكنولوجيا جديدة والتي ستسمح لها بتخزين الوقود الداسر في الفضاء لفترات طويلة من الوقت. وبداية من هذا العام، تأمل الوكالة في إثبات القدرة على تحميل ونقل الوقود عالي التبريد في الفضاء. وستكون مثل هذه التكنولوجيا قيمة لمهمة المريخ المأهولة وقد يمكنها ذات يوم أن تؤدي إلى ما يعادل عصر مستودعات الغاز الفضائية تقبع في الإنتظار لشحن وقود الصواريخ.

Rocket Fuel Tanks Usa - Free photo on Pixabay

الدفع المتقدم

بينما ترغب في إرسال البشر إلى المريخ في أسرع وقت ممكن للحد من التعرض لمخاطر الإشعاع وانعدام الوزن في الفضاء، يمكن للإمدادات مغادرة والسفر بصورة أبطأ.

ويمكن لمحرك منخفض الطاقة نسبياً دفع سفينة كبيرة تحمل إمدادات رواد الفضاء بشكل متواصل لإدامة مهمتهم على المريخ. وفي مهمتها بين الكواكب، سترغب ناسا في إرسال مثل هذه الأشياء أولاً قبل وصول الرواد على سطح المريخ.

وتعمل الوكالة حالياً على النهوض بالدفع الكهربائي بالطاقة الشمسية، والذي يطلق الغاز المتأين خلف المركبة لدفعها إلى الأمام. وقد تم استخدام هذه الطريقة في مهمات سابقة مثل مركبة Dawn لناسا والمركبة اليابانية Hayabusa. وستحتاج مهمة المريخ دواسر كهربائية تعمل بالطاقة الشمسية أكبر بكثير مما تم استخدامه سابقاً. ولدى الوكالة حالياً خطط لمهمة تجميع كويكبات صغيرة وجرها لإعادتها إلى الأرض، والتي ستكون مفيدة في دفع هذه التكنولوجيا إلى الأمام.


الهبوط على المريخ

في الوقت الراهن لا توجد لدينا القدرة على إنزال البشر على المريخ. وهذه مشكلة تم الاعتراف بها مؤخراً إلى حد ما، بعد أن تم فهمها من خلال حسابات تم القيام بها في أوائل الألفية.

بدأ المهندسون ببناء آلات أكبر وأكبر للهبوط على السطح المريخي، وأدركوا أنهم قد وصلوا إلى الحد الأقصى. فالغلاف الجوي الرقيق للمريخ لا يمكنكه نفخ مظلات كبيرة جداً بسرعة، وهو الأمر المطلوب لإبطاء مركبة فضائية كبيرة تحمل بشراً بشكل كافي. لكن الغلاف الجوي كبير جداً بما فيه الكفاية لجعل مركبة تهبط بنظام الهبوط القمري باستخدام الصواريخ العكسية لا يمكنها الهبوط بدون إثارة الكثير من الاضطراب.

والعربة كريوسيتي البالغ وزنها طن واحد والتي هبطت على المريخ في عام 2012 هي أكبر جسم أمكن لتكنولوجيتنا الحالية وضعها على الأرض. أما المهمات ذات المقياس البشري فإنها ستتطلب وفقاً لناسا إنزال 40 طناً على الأقل. حتى أساسيات رحلة مأهولة في اتجاه واحد إلى المريخ التي اقترحتها مارس وان ستتطلب إنزال حوالي 10أطنان من المواد على السطح.

يقول المهندس بوبي براون رئيس تقني سابق في ناسا والأستاذ حالياً في معهد جورجيا للتكنولوجيا أن "إنزال كريوسيتي هو إنزال سيارة نووية صغيرة". ولمهمة ذات مقياس بشري "فإننا قد نتكلم عن إنزال منزل من طابقين، وبعد ذلك منزل آخر من طابقين من الوقود والإمدادات بجانبها".

وأضاف بقوله " هذا هو التحدي الرائع". رغم أن إنزال كريوسيتي يعد إنجاز بارز حقاً، "فإنها ستتضائل أمام ما قد يتطلبه إنزال البشر ذات يوم".

سيتطلب إنزال أشياء بهذا الحجم تقنيات جديدة والتي علينا الاستثمار فيها وتطويرها واختبارها مرارا وتكرارا للتأكد من أنها لن تقتل طواقمها.

يقول المهندس كيندال براون من مركز مارشال للرحلات الفضائية التابع لناسا " هناك شيء واحد لرغبتنا في عدم إنزال بشر يوصف بأنه دقائق الرعب السبع".

وقد هبطت كريوسيتي أيضاً هبوط أهليجي كبير نسبياً. أي أن الباحثين يمكنهم التيقن بشكل معقول بمكان هبوط العرب، لكن ضمن قطع 7 على 20 كيلومتر. تخيل لو هبطت مركبة تحمل بشراً على المريخ ثم هبطت إمدادات الرواد على بعد 20 كيلومتر. سيكون عليك حينها أن تلكّأ لالتقاط الأكسجين الإضافي الخاص بك.

سيحتاج الجيل القادم من مركبات الهبوط إلى دقة في حدود مئات الأمتار والتأكد من أنها لم تنزل على بعض الأجزاء الحيوية الأخر من المعدات مثل مولد الطاقة النووية.

يعمل العلماء في وكالة ناسا حالياً على أنظمة نفخ أسرع من الصوت. وتشبه بالأساس منطاد عملاق والتي تتمدد لتصبح شيء مثل مظلة فائقة صلبة، مما يساعد على إبطاء هبوط المركبة لأسفل. لكن التكنولوجيا الرئيسية في هبوط البشر على المريخ هي شيء يطلق عليه الدفع العكسي الأسرع من الصوت supersonic retropropulsion.

وتبلغ سرعة مركبة فضائية تخترق الغلاف الجوي للمريخ 24000 كيلومتر في الساعة. حتى بعد إبطاء سرعتها بالمظلات أو النفخ الهوائي، فإنها ستسافر بسرعة أعلى من سرعة الصوت. وإشعال لهب الصواريخ سيكون كإشعال شمعة في حين يقوم شخص ما بالنفخ على الفتيل طوال الوقت. وبمجرد أن أن يعمل الداسر فعليه حقن هذا اللهب في بيئة ديناميكية للغاية، وهو أمر لم تتعامل معه التكنولوجيا المتوافرة لدينا من قبل.

وقد أجرت ناسا اختبارات أنفاق هوائية للنظر في هذه المشكلة من قبل، مرة في الستينات والسبعينات لمركبتي الإنزال فايكنج ومرة أخرى مؤخراً. والخبر السار أن الاختبار أظهر أن الصواريخ الأسرع من الصوت ممكنة من الناحية النظرية. والخبر السيئ أن ناسا لم تعمل على هذا.

بينما قد تجري ناسا الاختبار مرة أخرى، قد يتخطاها عضو في شركات الرحلات الفضائية. تعمل شركة سبيس إكس على إنشاء خزانات وقود صواريخ قابلة لإعادة الاستخدام والتي تهبط من المدار عائدة إلى قواعد إطلاقها. وتخطط الشركة لاختبار الدفع العكسي الأسرع من الصوت في وقت لاحق من هذا العام، والذي يمكن استخدامها على الأرض وبعثة المريخ في نهاية المطاف.


الحفاظ على صحة الطاقم

 الفضاء مكان خطير لإرسال أنظمة مولفة ومعقدة بشكل مباشر. يقول الأخصائي الصحي ورئيس SolaMed Solutions والتي تتشاور مع المكتب الطبي التابع لناسا " وربما النظم الأكثر تعقيداً منهم جميعاً هو الجسم البشري".

ومن سخرية القدر أن الشيء المسؤل عن توفير الطاقة لأغلب أشكال الحياة على الأرض، ألا وهي الشمس، هي أيضاً الأكثر فتكاً للكائنات الحية المسافرة إلى الفضاء.

وبمجرد الخروج من المجال المغناطيسي الحامي لكوكبنا، سيبدأ الإشعاع الشمسي بالتراكم في جسم رائد الفضاء، مسبباً خطر تعرضه للإصابة بالسران. وقد ساعدت البيانات الأخير من العربة كريوسيتي وكالة ناسا على تحديد مدى خطورة خلفية مستويات الإشعاع. ويمكن للإنفجارات مثل التوهجات الشمسية أو الجسيمات النشطة قذف جرعات مميتة من الإشعاع بالمركبة الفضائية. وهذا سبب المهمة المأهولة للطيران المنخفض إلى المريخ في عام 2018، وتخطط منظمة Inspiration Mars لوقت يكون فيه النشاط الشمسي منخفض، حينها تكون فرصة الانفجار الشمسي في أدنى مستوياتها. على الرغم من أن انخفاض النشاط الشمسي يزيد من مستويات الإشعاع  التي تتدفق من المجرة، والتي ستكون خطيرة كذلك.

ربما تستغرق رحلة إلى المريخ ما بين سبعة إلى تسعة أشهر، وسوف يحتاج البشر إلى الحماية طوال الوقت. في الوقت الحالي، فإن الحل الأكثر جدوى هو عزل المركبة الفضائية بالمياه، التي تمتص الإضعاع وتوفر قدرأ من الحماية خلال العاصفة الشمسية. ولكن الماء ثقيل، وأي وزن يضاف إلى مهمة يضيف إلى كلفتها. في المستقبل، يمكن تطوير القدرة على إنشاء حقل مغناطيسي صغير لحماية الطاقم، لكن هذا يستغرق سنوات وربما عقود.

وبصرف النظر عن الإشعاع، فإن أكبر التحديات لرحلة مأهولة إلى المريخ ستكون الجاذبية الصغرى، والتي تسبب مجموعة من الحالات الطبية الغريبة، والعزلة التي تجلب مجموعة من المشاكل النفسية.

ويحتفظ مجموعة من الرواد الروس بأرقام قياسية للوقت الذي قضوه في الفضاء، وقضوا على المحطة مير أكثر من سنة. يقول ريتشارد س. ويليامز رئيس مكتب ناسا للصحة " تلك هي حدود فهمنا إلى حد كبير". "وحينما نتكلم عن الذهاب إلى المريخ تزيد مدة الرحلة إلى 30 شهراً ذهاباً وعودة".

ما نعرفه أن البقاء المستمر في إنعدام الوزن يسبب هشاشة العظام وانخفاض الكالسيوم، وفقدان العضلات، وتورم العصب البصري الذي تم اكتشافه مؤخراً. وإذا تم تركهم بحالتهم تلك، سيصل رواد الفضاء إلى المريخ ضعفاء ويعانون من هشاشة العظام وربما يكونوا مصابين بالعمى.

ويبدو أن التقدم الطبي وممارسة التمارين الرياضية بانتظام قد يساعدا في بعض المشاكل البيولوجية للسفر في الفضاء. وتخطط ناسا حالياً لجعل روادها يقضون مدة تصل إلى عام على متن محطة الفضاء الدولية لفهم هذه العوامل بصورة أفضل.

لكن المشاكل النفسية التي سيمر بها الطاقم في الطريق إلى المريخ غير معروفة إلى حد كبير. مع محطة الفضاء الدولية تظل العودة إلى الأرض مجرد رحلة قصيرة على متن المركبة سويوز، ويمكن للرود أن يحدقوا فيها طوال الوقت. ولكن لن يكون لدى طاقم الرحلة المريخية طريقة لإجهاض مهمتهم وسيعانون من التأخير المتزايد طوال الوقت للإتصالات مع وطنهم.

وقد كانت هناك تجارب عزل لمجموعة والتي تقدم فكرة عما قد يلاقيه الطاقم المسافر إلى المريخ. كانت تجربة المحيط الحيوي-2 في التسعينات لمجموعة من سبعة أو ثمانية أشخاص في بيئة محاكاة كبيرة لمدة تصل إلى عامين.

يقول تابر ماكالوم المؤسس المشارك في Paragon Space Development والمشارك في تجربة المحيط الحيوي-2 أن "جميع طاقم المحيط الحيوي-2 يتفقون على المشاكل النفسية هي المسألة الأكبر".

وكانت أطول محاكاة تقترب من مدة رحلة المريخ حتى الآن بعثة mars 500، والتي تعين فيها على ستة رجال البقاء لمدة 500 يوم في غرفة مغلقة في حين يقوم الباحثون برصد النتائج. وقد أصيب المشاركون في هذه التجربة بالخمول والممل. وأصيب أحدهم بالاكتئاب. اثنان فقط من أفراد الطاقم الستة الذين لم يواجهوا مشاكل حقيقية وواحد فقط استمر مشغولاً ونشطاً مع عدم تدهور الأداء الإدراكي.

يمكن لبعثة المريخ اختبار حدود المجموعات البشرية المعزولة. ويجب على أفراد الطاقم المرور بفحوصات طويلة على المدى الطويل للتأكد من صلاحيتهم سواء من الناحية الجسيدة أو العقلية.


العيش على الأرض

مع انخفاض درجات الحرارة والبيئة القاحلة، قد لا يبدو المريخ بأنه المكان الأفضل لإقامة معسكر. لكن هناك ثروة من المواد على سطح الكوكب الأحمر يمكن أن يستخدمها رواد الفضاء لصالحهم.

وتطلق وكالة ناسا ووكالات الفضاء الأخرى على هذا الأمر استخدام المواد في الموقع ويعني هذا بشكل أساسي العيش على الأرض. يمكن لآلة يتم إرسالها إلى المريخ قبل وصول رواد الفضاء أن تستخلص الأكسجين من ثاني أكسيد الكربون الموجود في الغلاف الجوي للمريخ. او عناصر من التربة يمكن عزلها واستخدامها لبناء مواد أو وقود الصاروخ.

كما يحتوي المريخ على الماء المحبوس في الجليد وهو الأمر الذي تم اكتشافه في العقد الأخير. في بعض الأماكن هناك بلورات ثلج كافية في التربة يمكن للروبوت أن يلتقطها ببساطة.

يقول فيزيائي الفضاء جيم جرين ومدير ناسا للاستكشاف الكوكبي " تقول الخطط السابقة [للذهاب إلى المريخ] إن علينا جلب كل هذه المياه". "أما الآن فعلينا جلب القش".

بالرغم من مناقشتها في الغالب، فإن تكنولوجيا استخدام المواد في الموقع لم يتم تطويرها أبداً. فعلى ناسا اثبات أن العيش على أرض خارج الكوكب أمر مجدي.

على المهمات البشرية إلى المريخ أن تستدعي نوعاً من إمكانيات زراعة المحاصيل. ومن الوهلة الأولى فإن فكرة الزراعة على المريخ تبدو بالخطة المعقولة. فعلى روادك أن يقوموا بزراعة الخضروات الطازجة مما يقلل الحاجة إلى الطعام المجفف والمجمد الذي يضطرون إلى أخذه معهم.

لكن زراعة المحاصيل على كوكب آخر لهي أمر صعب. فلن ترغب في أن يعتمد طاقمك على الغذاء الذي ينتجوه، يقول تابر ماكالوم الشريك المؤسس لـ Paragon Space Development، والتي تقوم صناعة نظم دعم الحياة للفضاء. "النباتات أمر صعب. إذا ارتكب الطاقم خطأ واحد فإنهم سيموتون جميعاً".

وبالنظر إلى كمية الطعام الذي يتم إنتاجه بالزراعة إلى كمية الطاقة التي ستضعها، وبالأخذ في الاعتبار التحكم في درجات الحرارة ونظم التكنولوجيا الضرورية، يقدر ماكالوم أن الأمر سيحتاج ما بين 15 إلى عشرين عاماً من السكن المتواصل على المريخ قبل أن يكون من المفيد وضع نظام زراعي.


حماية الكوكب وحماية أنفسنا

الأرض هي المكان الوحيد الذي نعرفه ويتمتع بالحياة. لكن هذا لا يعني أنه لا يوجد شيء آخر هناك.

وبسبب هذه الاحتمالية وافقت ناسا والأمم الأخرى التي ترتاد الفضاء على اتخاذ معايير صارمة لحماية الكوكب. حينما عاد رواد أبولو 11 من القمر، قامت ناسا بعزلهم لثلاثة أسابيع فقط من أجل التأكد من أنهم لا يحملون بعض فيروسات الفضاء الرهيبة التي من شأنها تدمير البشرية. وتكرر هذا الإجراء حتى أبولو 14، حينها شعر العلماء بالثقة من عدم وجود أي ضرر.

القمر عقيم. بينما المريخ مسألة أخرى تماماً. تشير الدلائل إلى أن الكوكب الأحمر كان قادراً على دعم الحياة ذات مرة. هناك فرصة ضئيلة لكنها ليست صفرية أن شيئاً ما لازال على قيد الحياة على الكوكب ومن المحتمل أنه فتاك.

جنبا إلى جنب مع امكانية تدمير البشرية بالميكروبات المريخية، فعلينا أيضاً تجنب المشكلة المعاكسية. فالبشر يأتون بمجموعة متنوعة من البكتريا والفطريات الخاصة بهم(يحتوي جسمك على 10 خلايا ميكروبية مقابل كل خلية بشرية) وقد لا يكون هناك شيء يمكننا القيام به لمنع التلوث البشري من التسرب على المريخ. ستحسن التقنيات المستقبلية من قدرتنا على حماية أنفسنا من خطر المريخ وحماية المريخ من خطرنا.

للتمسك بصرامة بروتوكولات الحماية الكوكبية، ربما يكون أفضل تمرين قضاء بضع مهمات بدون بشر على سطح المريخ. يمكن للبشر الانتظار في المدار أو نصب معسكر على أحد أقمار المريخ وتشغيل العربات والروبوتات من على بعد في الزمن الحقيقي. يمكنهم ترشيح الأماكن التي قد يوجد بها حياة على السطح وربما كشف المناطق الأكثر أماناً التي قد يهبطوا فيها. وقد تساعد تقنيات المستقبل أيضاً في منع ملوثات الأرض من إصابة المريخ حينما يهبط البشر عليه.


التعامل مع الغبار

يقول جرانت أندرسون كبير مهندسي شركة Paragon Space Development، التي تصنع نظم دعم الحياة في الفضاء " المشكلة رقم واحد على سطح المريخ  ستكون الغبار".

فقد خلفت بيئة المريخ القاحلة حبيبات الغبار متناهية الصغر والتي تدور حول الكوكب منذ بلايين السنين. وهذه الجزيئات لا تشبه أي شيء موجود لدينا على الأرض.

الموقف الوحيد المماثل الذي واجهناه من قبل كان الغبار القمري الذي واجهته مهمات أبولو. تم التعرف على التربة القمرية الجلخة والحادة جداً كشيء يمكنه سد الآلات وإتلاف الوظائف الأساسية.

يقول أندرسون " لقد أنفقنا 17 مليون دولار لحل مشاكل الغبار ولا أعرف الواحدة التي قد عملت". " قام جون يونج [قائد أبولو 16] بتنظيف الألواح الحرارية بفرشاة من شعر الخنزيرولم تعمل جيداً".

وبالنسبة للطاقم البشري على السطح، فإن الذين يعيشون على المريخ سيشبهون الذين يعيشون في قشرة ملحية عملاقة. سيكون الغبار كاوياً وستحتاج أدوات الطاقم لأن تكون في غاية الصلابة. خلال بعثة أبولو 17، تخلص رائد الفضاء هاريسون شميت من مطرقته الجيولوجية لأن مقبضها تآكل بعد ثلاثة ايام فقط.

وسيكون الحفاظ على الطاقم خالياً من الغبار قدر الإمكان أكثر أهمية لأن الرمل المريخي قد يكون ساماً. على الرغم من قلة معرفة هذه النقطة، أثبتت كريوسيتي والمهمة السابقة فينكس أن التربة المريخية مليئة بالبيروكلورات. وهذه المواد هي أملاح عالية الكلورة، والتي يمكن أن تسبب مشاكل في الغدة الدرقية للإنسان. وهذه المسألة ليست مفهومة جيداً لكن الباحثين قد وصفوا البيروكلورات بـ"مادة كيميائية مسببة للقلق" في إمدادات المياه على الأرض.

قد يحتوي الغبار على سطح المريخ أيضاً على مواد تسبب السرطان وتنتج الحساسية أو مشاكل الرئة لدى البشر، على غرار حمى القشالتي عانى منها رواد أبولو. ستحتاج المهمات لمعرفة كيفية تفاعل الغبار المريخي مع الرطوبة في مسكن الإنسان وإلا فإنه من الممكن أن يحرق جلد الإنسان مثل الغسول أو مبيض الغسيل.

ساعدت كريوسيتي العلماء في فهم إلى أي مدى قد يشكل الغبار المريخي خطورة على الصحة البشرية. لكن "يجب أن يكون لدى البعثات التمهيدية بعض الاختبار للكيفية التي سيقتلك بها الغبار المريخي" كما يقول أندرسون. فشركته تقوم بتطوير سادات إحكام يعتقدون أنها ستبقي الغبار خارجاً لكن تحتاج إلى تجريب مكثف للتأكد من أنها تعمل.


وضع الخطة

في المخطط الكبير للأشياء، تكون التحديات الهندسية سهلة. إلا أنه من المرجح أن تكون الجوانب الاجتماعية والسياسية لمهمة المريخ المأهولة هي الأصعب.

وتطفو عدة خطط على السطح في الوقت الحالي. فلدى ناسا معمارية التصميم المرجعي. ولدى سبيس إكس و Inspiration Mars رؤيتهم. وتزن وكالات الفضاء الأخرى أفكارها الخاصة. لكن في مرحلة ما، سيتم اختيار احداها لتكون الخطة.

لا أحد يعرف بالضبط كم ستكلف رحلة بشرية لكن من المرجح أنه ستكون عشرات أو حتى مئات المليارات من الدولارات. وبحساب التضخم، تكلف كل هبوط لأبولو 18 مليار دولار تقريباً، وستكون مهمة المريخ أكبر بكثير في صعوبتها من حيث الحجم. ويبدو على الأرجح أن تعهد بهذا الحجم سيحتاج إلى شراكة دولية. وهذا يتطلب أن يكون كل شيء مبين في التزامات رسمية بين الدول المشاركة. ومهمة الفضاء الوحيدة المشابهة هي بناء محطة الفضاء الدولية تطلبت حوالي خمس سنوات للبلدان المشاركة للموافقة عليها.

ويجب أن تكون الخطة مرنة أيضاً. فالعالم معقد وتحتاج مهمة تستغرق سنوات للتعامل مع التغيرات السياسية والتحولات السلبية للاقتصاد.

فنحن في الغالب لدينا رؤية لآلات جميلة في الفضاء كما يقول سام سايميني مدير ناسا لمحطة الفضاء الدولية : شيء مثل محطة الفضاء الدوارة المهيبة في فيلم 2001 أوديسيا الفضاء لستانلي كوبريك.

يقول سايميني " ما حصلنا عليه مع محطة الفضاء الدلية ليس بجمال وإثارة العجلة الدوارة الكبيرة". " لكننا حصلنا على ما أمدتنا به السياسة والميزانية والقدرة التقنية". بعد كل الأحلام، فإن هذا ما تم بنائه.

وهناك العديد ممن يرغبون في سباق فضاء جديد لحفز الولايات المتحدة على الذهاب إلى المريخ. لكن المستقبل لن يكون مثل الماضي فمجموعة الظروف الفريدة التي أدت إلى مشروع أبولو من المرجح أنها لن تتكرر.

ومن المؤكد أنه سيكون هناك لاعبين جدد لم يكونوا موجودين في عصر الفضاء السابق. وقد وضعت شركات الفضاء الخاصة أنظارها على سطح الكوكب الأحمر، على وجه الخصوص Inspiration Mars و سبيس إكس، ومن المحتمل أن هناك من يعتقد صناعة الفضاء التجارية يجب أن تمضي وحدها.

"لكن عند المستويات الحالية من التكنولوجيا، فإن الحكومات تمضي للعب الدور الأكرب" كما يقول خبير سياسات الفضاء سكوت بيس من جامعة جورج واشنطن. " قادت الرؤى والآمال استكشاف البشر للفضاء، لكن يجب أن يستندوا إلى الحقائق والتحليلات. فالخيال لن يجعلك تذهب إلى الفضاء".

بين بيس أن أفضل الطرق لجعل البلدان توقع على خطة طموحة مثل مهمة المريخ المأهولة.

"الوجهات هي مجرد رموز في الواقع، ووكلائها المهارة والالهام والقيم" كما قال. " لن تذهب الولايات المتحدة لأبعد من مدار الأرض المنخفض دون شركاء دوليين. أبولو لن يحدث مرة أخرى. أعتقد أن شركائنا راغبين في الذهاب إلى القمر والمريخ معنا، لكن لا أعتقد أنهم ذاهبون من دوننا".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشرة حقائق قاسية للحياة بعد الحرب النووية

ستالينغراد 43: كيف تهزم الحصار [1]

سيناريو يوم القيامة: هذا ما ستشهده الساعات الأولى بعد الانفجار النووي.. وهكذا تنجو